حوار مع آخر شخص سار على سطح القمر
- ريتشارد هولينكهام
- صحفي – بي بي سي
في مقابلة حصرية مع جين سيرنان، قائد المركبة الفضائية أبوللو 17، وآخر شخص مشى على سطح القمر، روى سيرنان التفاصيل المتعلقة بتجربته التي جعلته جزءا من التاريخ، وكيف أنه أصبح غير راض عن برنامج الفضاء الأمريكي.
كان جين سيرنان ثالث رجل يسير في الفضاء، وكان واحداً من ثلاثة أشخاص وصلوا إلى سطح القمر مرتين، وهو الآن آخر رجل ترك آثار قدميه على سطح القمر.
مثلت آخر كلمات له على سطح القمر في ديسمبر/كانون الأول عام 1972 رؤيته لما كانت ترمز إليه رحلة أبوللو في ذلك الوقت، إذ قال: “نغادر كما وصلنا، وإن شاء الله سنعود بسلام، وكلنا أمل لما فيه خير الإنسانية.”
وبعد أكثر من 40 سنة، قد تتخيل أن سيرنان قد قال الكثير بالفعل عن القمر، لكن يبدو أن رواد مركبة أبوللو الفضائية لن يتقاعدوا أبداً، فبرغم أنه الآن في الثمانينات من عمره، لا تزال مشاعره متقدة فيما يخص الماضي المجيد لأمريكا في عالم الفضاء ومحاولة الإنسان لكشف أسراره.
وكان آخر مشروع لسيرنان هو فيلم وثائقي عن حياته، ومع أنه يُصر على أن ذلك ليس فيلماً عن شخصيته بقدر ما هو قصة تحكي عن شخص عادي من عائلة عمالية استطاع أن يقوم بأمور استثنائية.
إن الفيلم مؤثر ومسلٍّ، ويكشف الكثير عن الرجال الذين ذهبوا إلى القمر أكثر مما كشفته أفلام وثائقية أخرى عن رحلات المركبة أبوللو. ويتناول الفيلم أيضا دور زوجة سيرنان السابقة والتي صاغت العبارة المأثورة: “إذا كنت تعتقد أن الذهاب إلى القمر أمر صعب فما عليك إلا أن تحاول البقاء في المنزل.”
ويتمتع النقيب السابق سيرنان بشخصيته ساحرة. تجاذبنا أطراف الحديث لمدة ساعة عن أحلامه بالعودة إلى القمر، وعن دوره في إلهام جيل جديد من رواد الفضاء. كما اتضح لي أن سيرنان غير راض عن المنحى الذي انتهجه برنامج الفضاء الأمريكي.
وهنا نص الحوار:
من أجل إنتاج الفيلم، ذهبت في زيارة لمنصة إطلاق الصواريخ “ساتورن 5” المهجورة في مدينة كيب كانافرال- حيث انطلقت مركبتك نحو القمر، بماذا كنت تفكر عندما تجولت حول ذلك الهيكل الذي أصابه الصدأ؟
كان شعورا يبعث على الحنين إلى الماضي، وخيبة الأمل والحزن أيضا. كأن شخصا ما أخذ سفينة كولومبوس (سانتا ماريا) وقال: “إنها قطعة من التاريخ الآن- لقد اكتشفتم قارة أمريكا، فلنأخذها ونغرقها. لقد انتهى الأمر، وأنتم لن تذهبوا بها إلى أي مكان آخر.”
انطلقنا من تلك المنصة بصاروخ “ساتورن 5” الضخم الذي أوصلنا إلى القمر. كان الإنسان يحلم بمغادرة مهد الحضارات- كرتنا الأرضية- إلى الفضاء الخارجي، ونحن قمنا بذلك بالفعل. ومن حسن الحظ، كنت أحد أولئك الذين صعدوا إلى هناك، لنلتفت إلى الأرض ونحاول أن ندرك معنى الكون كله.
وعند التفكير في الأشياء التي كنا قادرين على القيام بها حينئذ، وفي ما أُخبرنا به مؤخرا (في تغريدة لنائب رئيس الوزراء الروسي ديميتري روغوزين على موقع تويتر) من أننا لو أردنا أن نذهب إلى محطتنا الفضائية فعلينا أن نستخدم منصة القفز (الترامبولين). كانت جملة مؤلمة. مؤلمة بالنسبة لي شخصيا.
وإذا فكرنا فيما كنا عليه قبل نصف قرن من الآن، عندما كان الأمريكيون يسيرون على سطح القمر- ولا يزال الناس يأتونني ويقولون أن ذلك كان مذهلا- نجد أننا قد محونا ذلك الجزء المهم من التاريخ.
لا أريد أن أتذكر منصات الإطلاق تلك التي أرسلتنا إلى سطح القمر على صورتها اليوم. لم يكن من المفترض أن تكون بهذا الشكل.
ماذا يمكن أن يكون الهدف من العودة إلى القمر مجددا؟
كل ما أثبتناه هو أنه يمكننا العمل والبقاء أحياء هناك. وعلينا الآن استغلال الموارد التي يمكن أن يوفرها القمر لكوكبنا. إنه نقطة الانطلاق نحو المريخ. لقد ذهبنا إليه لأنه ببساطة موجود هناك. وسوف نحاول العودة مرة أخرى لأننا يمكننا القيام بذلك.
ذهبت إلى القمر مرتين، واختبرت مركبة الهبوط على القمر في رحلة أبوللو 10، وباقترابكم 15 كم من سطح القمر، وفي ديسمبر/كانون الأول عام 1972 مشيت على القمر. فهل شعرت بثقل المسؤولية خلال آخر رحلة من رحلات أبوللو؟
كنت ممثلا لما يُحتمل أن يكون أعظم التحديات التي واجهتها الإنسانية في التاريخ الحديث، وكنت فخورا لكوني جزء من ذلك. كل من شارك بتثبيت مسمار أو قطعة معدن صغيرة على مركبتنا كأنه ذهب معنا في تلك الرحلة. لقد كان هؤلاء مسؤولين عن نجاح أو فشل تلك المهمة. وكل إنسان على وجه الأرض كأنه جاء معنا.
الأسئلة التي كانت تراودهم وقتها هي نفس الأسئلة التي يوجهها لنا شباب اليوم، الذين لم يكن لهم وجود آنذاك. ماذا كان شعورنا فوق سطح القمر؟ وكيف كان يبدو؟ 12 شخصاً فقط مشوا على سطح القمر، وبقي منا الآن تسعة أشخاص. وفي يوم ما، لن يتبقى أحد منا، وبينما لا نزال هنا، أشعر بأن علي أن أكون مصدر إلهام من نوع ما، وأن أحرك مشاعر الأطفال الصغار لكي يتمكنوا، بالمعنى الحرفي للكلمة، من السير على خطانا.
عندما كنت تهم بمغادرة القمر، هل كنت تدرك أهمية آثار أقدامك الأخيرة؟
عندما غادرت القمر وبدأت في صعود السلم، كنت في حيرة حقا. لم أكن أريد المغادرة، ونظرت إلى آثار أقدامي الأخيرة، وأدركت أني لن أعود هنا ثانية. النظر إلى الأرض من فوق القمر كان له أثر خاص في نفسي. كانت تبدو حية وتتحرك بهدف وجمال في الفضاء والزمن. في تلك اللحظات القصيرة، أردت أن أفهم ما هو المعنى من أننا تركنا مهد الحضارات واعتبرنا القمر وطننا لبضعة أيام.
بحثت عن ذلك الجواب، كنت بحاجة إلى المزيد من الوقت، وأردت ان أضغط على زر التوقف المؤقت، لأوقف الزمن، وأمنح نفسي فرصة للتفكير فيه. كانت لدي فرصة للجلوس على شرفة الكون الأمامية، والنظر إلى ذلك الجزء الصغير من حضارة هذا الكون.
هل يقلقك أن جميع من مشوا على القمر هم الآن من كبار السن، وأنه خلال سنوات قليلة لن يبقى منهم أحد؟
أنا أجلس هنا بركبتين جديدتين، ومفصل جديد في الفخذ، وسأحصل على آخر قريبا. إنك تصل إلى مرحلة تشعر فيها بأنك لن تكون هنا بعد 20 عاما من الآن.
إن هذا الوقت ليس ببعيد جداً في المستقبل، لذا فإنه من المهم أن أحاول تشجيع وإلهام الجيل القادم، وأن أنقل لهم تجربة أبوللو، وسيكون ذلك مسؤوليتهم.
ولم تصعد “الأنا” لدي إلى الحد الذي أرغب فيه أن يتذكرني أحد لأني فعلت شيئا ما. إن كنت فعلت شيئا يستحق الذكر فقد حان الوقت لكي أشارك الناس فيه. إن أصحاب الأحلام اليوم، هم من ينفذها غدا، ولذا إن لم نسع لإلهام هؤلاء، فلن يكون هناك من يحقق تلك الأحلام.
هل تشعر بأن هناك اهتماما أكبر بالعودة إلى القمر أم بالذهاب إلى المريخ بدلا من ذلك، خصوصا مع تصاعد السياحة الفضائية وشركات الفضاء الخاصة مثل شركة “سبيس إكس”؟
أود أن أعتقد بأن الجيل الجديد من طلبة المدارس أكثر تحمساً واهتماماً بالفضاء مما كان عليه الشباب الأكبر منهم سناً. كانت هناك قناعة كبيرة هنا في الولايات المتحدة الأمريكية قبل نصف جيل من الآن، عندما كان الشباب يتساءل عن الفائدة التي ستعود عليه من ذلك ويخاف من المجازفة. كنت دوماً أقول للأطفال إن كنتم تخشون من الفشل، فلن تعرفوا أبداً ما يعنيه النجاح حقا.
لكن الشباب الأحدث سناً بدأوا في توجيه الأسئلة التي هي بحاجة بالفعل إلى أن تطرح، وعلينا أن نستغل تلك الفرصة.
اكتشاف المزيد من إشراق التقنية
اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.